• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

باقتناعه يرحل أو باقتلاعه

مصطفى مينغ

باقتناعه يرحل أو باقتلاعه

المؤمن بقضية ما لا يغيِّرُ رأيه في مضامينها، أو ما كانت تخفيه قبل اهتمامه الكلّي بها، من أسرار تتعلّق بأبعادها، وما قد تفرزه من تغيرات إيجابية الوَقْعِ الموزعة بالتساوي على الآني والمتوسط والطويل المدى ما دام دَرَسَ (أكاديمياً كمرحلة ثانية) كلّ جزئية ذات الارتباط والأُسس التي ارتكزت عليها، ليساير اجتهاده الفكري عمقها، فيبقيه منسجماً مع خطواتها أوّلاً وثالثاً وألفاً لغاية اكتشاف سطحها. لتبدو كما يراها ببصيرته وعقله واضحة الملامح شفافة المقاصد محقِّقة في عسر أو يسر (لا يهم) الأهداف المرجوة منها. ما يقع في «السودان» ليس مجرد «ثورة» عادية ساهم حاكم البلاد في تسريع خطواتها، بما أقدم عليه من إجراءات عاكَسَ بها الصواب ما دام الزمن بالكامل تجاوزها، حينما أراد أن يزيح اللهب ويُبقي (رغماً عنه) الرماد معتقداً أنّه يصلح ما أفسده الدهر مانحاً لتصرّفات البارحة الظهر مبدياً أنّه الذكي الوحيد وغيره على طول السودان وعرضها، ما خُلِق إلّا ليكون تابعاً قانعاً قابعاً سامعاً طائعاً خاضعا ولغير الله راكعاً وكلّ القيم الحميدة والمبادئ المحمودة عليه أن ينساها، وبالتالي أدرج حالة الطوارئ معبراً على مستوى الرعب المصاب به حاضراً من شيء وحيدٍ لا غير أن تنجح هذه الثورة التي قلنا عليها أنّها ليست عادية ولا تشبه ثورات الربيع العربي جميعها، لأنّها ثورة لاستئصال كلّ فاسد من الجذور، قائمة الحركة في تحضُّر، غير محدَّد بدقة مَن فيها ومَن معها عن قصد وتبصر، شاغلة الأمن بأمنه أوّلاً في ارتباك ملحوظ منظور، مبدعة فِرَقَ التأسيس على أعلى مستوى لمواجهة ما بعد نظام الحكم المدحور، وتدبير شؤون عامّة الشعب المنصور، ببنود مضافة مشاعة بالحرّية والمساواة والعدالة للدستور، وكفاءات يدركها زمن الانعتاق عملاً بالحقّ بَدْءً بهدم ذاك السور، المشيَّد من ثلاثين سنة شاهداً كتاريخ على الإنسان السوداني المقهور.

المتنحي بعد أسابيع هو نفسه المتنحي بعد سنين ما دام القاسم المشترك بينهما «التنحي»، بفارق شاسع وللغاية مقلق، الأوّل أقل خطراً على شعبه إن كان عاقلاً يقدّر العواقب ويعمل على تخفيفها بقبوله الانسحاب في هدوء بلا صراعات خفية أو معلنة وبلا تصفيات جسدية غادرة ولا غسل الميادين بدماء المناضلين الغاضبين، أمّا الثاني فلا هروب متاح حياله (بعد سقوطه) لمصيره ينفع، ولا ذرف دموع الندامة (ما بقي من عمره) عن أخذ جزائه الثقيل المحتوم يمنع. فإذا كان «عمر البشير» لم يقنع، وهو على نفس الكرسي قد تربع، فأمامه أن يسمع، لصوت الشعب المسالم إن طالبه بالرحيل فليمتثل ولما يفك ما يترتب عن الحدث بالتي هي أحسن أن يصنع، أمّا إن لبس خوذة الحرب مصوباً لصدر الشعب المدفع، فليقرأ على نظامه الفاتحة ومهما التفت أحس بكلّ ما ارتبط به جبروتاً ونفوذاً وقوّة قد تصدع .

ارسال التعليق

Top